LIVE

ِ

الصوفية والصفوية الأخوة الأعداء / أحمد فهمي ..!!


http://img.youtube.com/vi/16_js6NVcV0/0.jpg

اكتسح المغول بلاد فارس حينما كان غالبية أهلها من السنة، وبعدما عاثوا فيها دماراً وخراباً وسفكاً، انهار المجتمع وشاع الظلم مع سيطرة المغول على حكم البلاد، ومن ثنايا التفسخ الأخلاقي والاختلال الاجتماعي تسربت دعاوى الصوفية بين جنبات المجتمع حيث وجدت المجال خصباً لنشر أوهامها المعروفة عن الزهد وترك الدنيا، وتكاثرت زواياهم ومراكزهم ومدارسهم والتي كانت تعرف بـ"الخانقاه".
عندما بدأت الدعوة الصفوية الاثني عشرية في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، اتخذت من الصوفية ستاراً ومعبراً لاختراق الأغلبية السنية في بلاد فارس، ومن خلال تحليل تاريخي للعلاقة بين الدعوة الاثني عشرية والطرق الصوفية في بلاد فارس يمكن ملاحظة مرحلتين أساسيتين مرت بها تلك العلاقة، هاتان المرحلتان يمكن استخدامهما لاحقاً في فهم وتحليل العلاقة بين إيران الخمينية في العصر الحالي والطرق الصوفية.
أولاً: المرحلة الأولى: الصوفية أداة لاختراق المجتمعات السنية...
كان الشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية المنسوبة إليه يتخذ من انتمائه لإحدى الطرق الصوفية ستاراً لتشيعه، ونشط مع أبنائه وأعوانه في توظيف التمدد الصوفي في المجتمع السني وقتها؛ لكي يجعل من الصوفية جسراً بين التسنن والتشيع، وقد نجح في تحقيق نتائج قوية مكنت أبناءه من تأسيس الدولة وتمديدها، ومن ثم إجبار من بقي من السنة على التحول إلى الاثني عشرية، وظل المتصوفة المتشيعة يتمتعون لفترة بمكانة وحرية داخل الدولة الجديدة.
ثانياً: المرحلة الثانية: الصوفية أداة لتفكيك المجتمعات الشيعية:
عندما نشطت عملية تهجير علماء (جبل عامل) الشيعة من لبنان إلى إيران لتدعيم نشاط التشيع، اتخذ علماء جبل عامل موقفاً عدائياً من الصوفية، وساعدهم في ذلك تقريب الحكام الصوفيين للعامليين.
ومن أبرز العلماء الذي هاجموا المتصوفة في إيران، رجل الدين المعروف باسم "الحر العاملي" وهو من أبرز علماء الاثني عشرية، وقد ألف كتاباً في انتقاد الصوفية بعنوان "الاثني عشرية في رد الصوفية" أورد فيه ألف حديث – موضوع قطعاً – عن أئمة الشيعة في رفض الصوفية وانتقادهم.
وبذلك فإن الصفويين الأوائل كانوا ينظرون – بعد استقرار دولتهم - إلى الصوفية باعتبارهم شريحة شاذة داخل المجتمعات الشيعية يجب استئصالها.
من ذلك يمكن استخلاص أن الشيعة الاثني عشرية الصفوية يتعاملون مع التصوف والمتصوفة وفق رؤية استغلالية توظيفية، تشتد الحاجة إليها في مرحلة البناء والانتشار، ثم تتحول إلى عبء في مرحلة التمكن والاستقرار، وبمعنى آخر: الصوفية بالنسبة للصفويين أداة اختراق للمجتمعات السنية، وعندما تفقد هذا الدور أو تتوقف عن ممارسته – كما في إيران حالياً – تتحول إلى خطر على الكيان الخميني الشيعي الاثني عشري.
لقد نجحت الاثنا عشرية المعاصرة في إعادة التجربة الصفوية الأولى، وتقديم مزيج من التشيع والتصوف من أجل تمرير دعوتهم إلى أكبر نطاق ممكن من المجتمعات السنية من حولهم، يقول المفكر الإيراني د. علي شريعتي في كتابه الإنسان والإسلام: "كون الصفويون خليطاً كيماوياً واحداً من ثلاثة مخلوطات أو ثلاثة عناصر خاصة، والعناصر الثلاثة هي: السلطنة والقومية والتصوف، ركبوها بعضها مع بعض وخلطوها، وأسدلوا عليها ستاراً باسم التشيع".
هكذا يمكن استخدام المرحلتين السابقتين في تحليل العلاقة بين الصوفية والصفوية الاثني عشرية في الوقت الحالي، حيث يتضح أمامنا نمطين متباينين من العلاقة:
1- الصوفية والصفوية داخل إيران:
لا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد الصوفية في إيران، إلا أن بعض التقديرات تشير إلى أنه قبل ثورة الخميني عام (1979م) كان عددهم نحو (100) ألف صوفي، ويقول حشمت الله رياضي أستاذ الفلسفة والأديان – عضو في جماعة نعمة الله جونابادي الصوفية -: أن عدد أتباع الطرق الصوفية حوالي (2-5) مليون في إيران حالياً، وهو رغم كونه عدداً كبيراً إلا أن زعماء الصوفية يزعمون أعداداً أكبر لأتباعهم في دول إسلامية وعربية أخرى، لكن رياضي يرد على مزاعمهم بالقول أن إيران تضم أكبر عدد لأتباع الصوفية في الشرق الأوسط، وأن الشباب الإيراني يقبل على التصوف بأعداد هائلة. (موقع بي بي سي، تقرير روكسانا صابري، الصوفية تزداد شعبية في إيران، 16-4-2006م).
ومن أبرز الأسباب التي تجعل الشباب يقبلون على الطرق الصوفية الإيرانية حالة اليأس والإحباط التي يعانون منها جراء تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية وتردي حال الثورة الخمينية ورموزها، لذلك يرى كثير منهم في الصوفية بعداً جديداً للدين يأخذهم بعيدا عن مرارة الواقع الأليم، وتشهد جلسات التصوف وحلقات الذكر الموسيقية إقبالاً متزايداً، يقول أحد الشباب الإيرانيين واصفاً أحدها: "يتملكك شعور بالاسترخاء الشديد...إنه شعور طيب، كأن روحك تحلق عالياً، تشعر بأنك خرجت من جسدك" ويضيف: "التمايل أو الرقص على مثل ذلك النوع من الموسيقى قد يفتح طريقا للاتصال بالله". ولعل تمدد البعد الخرافي في التراث الاثني عشري جعل عملية الانغماس في ترهات التصوف أمراً إجرائياً – أي: سهلا - أكثر منه تغييرياً.
وقد أخذت العلاقة بين نظام ولاية الفقيه والصوفية بعداً أكثر توتراً بعد موت الخميني وتزايد الانتقادات الموجهة للنظام من الداخل، ولا يتبنى المتصوفة الإيرانيون نظرية ولاية الفقيه، وهو ما يجعلهم شوكة في حلق النظام، وتشهد بعض المدن الإيرانية حالات تصعيد من قبل السلطات على فترات متفاوتة، وفي منتصف العام الماضي اقتحمت قوات الأمن مسجداً للصوفية في مدينة قم الدينية، ويتبع المسجد جماعة نعمة الله جونابادي، ويقول أعضاء الجماعة: إن المسجد قد أحرق واعتقل مئات من الأتباع لرفضهم المغادرة، وتقول المصادر الرسمية: إن ما حدث كان رد فعل على عملية بناء بدون ترخيص.
ويتهم محافظ قم " عباس محتاج " الصوفية الإيرانيين بأنهم عملاء لجهات خارجية تدفعهم إلى زعزعة الاستقرار داخل إيران.(انظر المرجع السابق)
إلا أن هذا الاتهام تنقصه الدقة، حيث لا يتوقف توظيف الصوفية لاختراق الاستقرار السياسي والمجتمعي داخل إيران على الجهات الخارجية، حيث تُعد الطرق الصوفية حالياً من أبرز أدوات الصراع التي يستخدمها التيار الإصلاحي في مواجهة المحافظين والمتشددين داخل النظام الإيراني.
وقد أدى الاكتساح الهائل الذي أحرزه المحافظون في مواجهة الإصلاحيين - أولا في انتخابات مجلس الشورى، ثم في انتخابات رئاسة الجمهورية - إلى لجوء التيار الإصلاحي لاستخدام أدوات قديمة للاختراق كان قد هاجمها في السابق، وهي: الحركة المهدوية والطرق الصوفية، وقد نتج عن هذه السياسة تزايد الإقبال الشعبي على الانضواء في التجمعات الصوفية وهو ما شكل خطراً حقيقياً على النظام.
وقد سربت بعض وسائل الإعلام مضمون تقرير أمني أصدرته وزارة الاستخبارات الإيرانية إلى كبار المسئولين حذرت فيه من تزايد الخطر الصوفي على نظام ولاية الفقيه، كما أشار التقرير إلى فوضى الخرافات التي يطلقها المهدويون والصوفيون في مواجهة نظام المرشد خامنئي، وقد نتج عن هذا التقرير الأمني أن أصدر "آية الله" فاضل النكراني – أحد كبار المراجع الشيعية الست في مدينة قم – فتوى دينية يحرم فيها المشاركة في جلسات الذكر الصوفية والدخول إلى تكاياهم الخاصة، ووصف عقائد الصوفية بأنها " باطلة !" وأنها أحدثت بدعة " الطريقة " وفرقت بينها وبين الشريعة. (انظر مقال صباح الموسوي مدير مركز النهضة الأحوازية للثقافة والإعلام، مفكرة الإسلام، 14-9-2006م).
2- الصوفية والصفوية خارج إيران:
يختلف الحال تماماً خارج إيران، حيث تنتقل طبيعة العلاقة إلى النمط الآخر، وتصبح الطرق الصوفية أداة لاختراق المجتمعات السنية، لذا سعت أجهزة الدولة الصفوية المعاصرة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية إلى تقوية أواصر التعاون وتقديم كافة سبل الدعم الممكنة، ويحرص دعاة التشيع في البلاد العربية دوماً على "مغازلة" رموز التصوف وإبراز ما يجمع الفرقتين وفي مقدمة ذلك دعاوى حب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
ويتعزز التعاون بينهما حيثما تكون التيارات السلفية قوية ومنتشرة، وفي اليمن مثلاً يقول أحد المتشيعين واصفاً العدو المشترك: ".. لا ريب أن الحركة الوهابية قد وقفت بكل عددها وعتادها في محاربة نهج أهل البيت (عليهم السلام) سواء في اليمن أو في غيره.. تنبهت دولة الوحدة لخطر هذه الحركة على المجتمع اليمني وحضارته، لأن المجتمع اليمني منذ فجر الإسلام لا يعرف إلا منهج التشيع سواء على الطريقة الزيدية أو الصوفية أو الجعفرية، فكلهم من بحر واحد ودولة واحدة حريصة كل الحرص على ذلك الانسجام الذي أراد سرطان الوهابية أن ينخر في لحمه وعظمه، ونحن متفائلون في المستقبل خيراً؛ لأن الله غالب على أمره" فهذا الرجل يعترف صراحة أن هناك تشيع على الطريقة الصوفية، أي أنهم يعتبرون الصوفية متشيعة حتى ولو لم يتحولوا، وعندما نقارن ذلك بما يدور من صراع داخل إيران نفسها بين متزعمي حركة التشيع العالمية، وبين الطرق الصوفية الشيعية أصلاً، نعلم قدر المغالطة والتجاوز في كلام أمثال هؤلاء.
نفس الأسلوب يتكرر في مصر، حيث يرتكن الشيعة على الأعداد الكبيرة لأتباع الطرق الصوفية، والتي يزعم شيخ الصوفية في مصر حسن الشناوي أنها تربو على (11) مليون نسمة، (موقع العربية نت، حوار مع حسن الشناوي، 26-4-2007م) ولذلك يدعي أحد كبار المتشيعين في مصر صالح الورادني أن عدد الشيعة في مصر يبلغ عدة ملايين استناداً على الخلط بين المتصوفة والمتشيعة، وهو يروج لذلك في زياراته المتكررة للتجمعات الشيعية خارج مصر، ومنها حزب الله اللبناني، كما نقل الشيخ محمد الجوزو مفتي جبل لبنان السني (انظر حوار محمد الجوزو مع صحيفة روز اليوسف اليومية 22-12-2006م).
مما سبق يمكن استخلاص أن العلاقة بين الصوفية والصفوية الإيرانية يغلب عليها أن تكون علاقة توظيف واستغلال من الطرف الثاني للطرف الأول، وهي علاقة ودية مؤقتة يمكن أن تنتهي عندما تتحقق أهداف المشروع الشيعي الإقليمي، عندها تتحول الطرق الصوفية إلى النمط الآخر وتصبح واجبة الاستئصال.
أيضا فإن الصوفية لا تمتلك بالضرورة في كل بلد توجد فيه رؤية متكاملة ومشروعاً سياسياً واضحاً، فقد يغلب عليها الخضوع لجهة توظفها وتحركها، لذلك يكمن خطر الصوفية أولاً في: قدرتها الهائلة على تدمير العقيدة في نفوس المسلمين وفي واقعهم، وتشويه الدين والتدين، وطمس مفاهيم الولاء والبراء.
ثم يأتي ثانياً: قابلية هذه الطرق للتحول إلى أداة اختراق يمكن استخدامها دوماً من قبل أعداء الأمة لهزيمتها.
ثم يأتي ثالثاً: المشاريع الذاتية التي تحملها بعض الطرق الصوفية عابرة الدول والتي يحمل قادتها طموحاً يتجاوز مستوى حلقات الذكر والطرب والموالد، مثل الطريقة التيجانية المنتشرة في دول السنغال وموريتانيا والجزائر والمغرب وغيرها.

الكاتب :أحمد فهمي


0 التعليقات:

Post a Comment



ِ

 

™(soufi about) حـــقائق وإستفــ ( شرار الخلق) ــهام ™ Disclaimer: The script is free and Hosting by blogger